إسرائيل- حرب على جبهتين أم تركيز على غزة لتحقيق أهدافها؟

المؤلف: طلال صالح بنان11.04.2025
إسرائيل- حرب على جبهتين أم تركيز على غزة لتحقيق أهدافها؟

من الصعب للغاية على أي دولة أن تخوض معارك ضارية على عدة جبهات في وقت واحد. حتى الدول العظمى تسعى جاهدة لتحديد الأولويات القصوى لإدارة المعارك والحروب، وذلك بحسب الأهمية الاستراتيجية لكل جبهة على حدة، وإلا فإنها ستمنى بهزيمة ساحقة إذا تجرأت على القتال على عدة جبهات في وقت متزامن. لقد تجسد هذا السيناريو المأساوي في حالة ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. فبعد أن نجحت القوات الألمانية في تأمين حدودها الشرقية والجنوبية بفضل حروب خاطفة ومباغتة مع كل من بولندا وتشيكوسلوفاكيا والنمسا، وجهت أنظارها نحو الجبهة الغربية الممتدة من هولندا وصولاً إلى فرنسا مروراً ببلجيكا. وعندما باءت محاولاتها بغزو بريطانيا بالفشل الذريع، ارتدت القوات الألمانية إلى الجبهة الشرقية لتخوض حرباً ضروساً مع عدوها اللدود الاتحاد السوفيتي. ولكن عندما انهارت حملة بربروسا، فُتحت على ألمانيا جبهتان ناريتان، الشرقية والغربية على حد سواء. وكانت النتيجة الحتمية هي هزيمة ألمانيا النكراء واحتلالها من قبل قوات الحلفاء وتقسيمها بينهم.

في المقابل، نجد أن إسرائيل، في حروبها المتعددة مع العرب، لم تخض مطلقاً حرباً على جبهتين في وقت واحد. بل كانت تبدأ دائماً بجبهة واحدة، ثم تنتقل إلى الجبهات الأخرى تباعاً، لتتمكن في نهاية المطاف من تحقيق النصر على جميع الجبهات. وقد تجلى هذا النهج بوضوح في حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧ وحرب أكتوبر عام ١٩٧٣. أما الحرب الدائرة رحاها اليوم على الجبهتين الجنوبية والشمالية فقد استمرت لعام كامل قبل أن يتحول الثقل العسكري الإسرائيلي، بصورة ملحوظة، مؤخراً نحو الجبهة الشمالية بهدف تحييد حزب الله، ثم الالتفات مرة أخرى إلى الجبهة الجنوبية لإنهاء هذه الحرب المستمرة بلا هوادة.

على الرغم من أن إسرائيل تركز جزءاً كبيراً من قوتها الضاربة في الحرب على الجبهة الشمالية مع حزب الله، إلا أن هذا الأمر لا يرقى إلى مستوى هزيمة المقاومة اللبنانية. وتكرر إسرائيل التكتيك القتالي الذي سبق أن جربته على الجبهة الجنوبية، وهو استهداف البيئة الحاضنة للمقاومة من خلال مهاجمة المدنيين والبنى التحتية في قرى الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت والمدن الساحلية في صور وصيدا وبعلبك في الشرق، متخليةً بذلك عن قواعد الاشتباك التي حكمت هذه الجبهة منذ الثامن من أكتوبر ٢٠٢٣.

لكن إسرائيل لم تتمكن من تجاوز قواعد الاشتباك الأولية إلا بعد أن تمكنت من اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، ومجموعة من قادة الصف الأول العسكريين في الحزب، الأمر الذي أربك الحزب بشدة، ولم يعد قادراً على الحفاظ على قواعد الردع التي فرضها في مواجهة أي تصعيد أو توسع في رقعة المعركة. حسن نصر الله، في خطابه الأخير بعد حملة البيجرات وأجهزة اللاسلكي، وضع قواعد اشتباك جديدة تركزت على هدف مساندة غزة بأن تتوقف الحرب على الجبهتين في آن واحد، وأي استهداف للضاحية الجنوبية سيقابله استهداف لحيفا، وأي استهداف لبيروت سيقابله استهداف لتل أبيب.

يتضح من فعاليات الوساطة الدولية أن شرط حزب الله بضرورة تلازم وقف إطلاق النار في الجبهتين في آن واحد قد سقط. فلم يعد الحديث هذه الأيام يدور إلا حول مسألة وقف إطلاق النار على الجبهة الشمالية، ولا يوجد أي كلام عن وقف الحرب على قطاع غزة. ويبدو أن الحزب قد توقف عن الربط بين الجبهتين، وقد يعزى ذلك إلى القيادة الجديدة لحزب الله، ودخول الدولة اللبنانية على الخط، بالتأكيد على سيادة الدولة اللبنانية على الحدود الجنوبية، دون الإشارة إلى تلازم جبهتي جنوب لبنان مع جبهة غزة. ويعتبر هذا إلى حد كبير اختراقاً إسرائيلياً لموقف حزب الله حول تلازم الجبهتين اللبنانية والفلسطينية، وهو الموقف الذي كان يتمسك به حسن نصر الله بشدة.

إسرائيل على استعداد تام لوقف الحرب على جبهة جنوب لبنان بأي ثمن. لكن معركتها الأساسية تكمن في حقيقة الأمر على جبهة غزة، وذلك لكي تتمكن، من الناحية الاستراتيجية، من الاستيلاء على كامل فلسطين التاريخية. فإسرائيل، في نهاية المطاف، ليست لديها أطماع تاريخية أو دينية في الأراضي اللبنانية، بقدر ما هو الأمر في فلسطين، ولو في الوقت الحاضر. فإذا انتصرت إسرائيل على جبهة غزة وتمكنت من وأد الانتفاضة في الضفة الغربية، فإن هذا هو جل ما تصبو إليه، وذلك لإفشال مشروع الدولتين إلى الأبد.

بحلول نهاية العام، وقبل أن يتولى الرئيس ترمب مهام منصبه رسمياً، ستتضح الأمور بشكل جلي، وسيتبين أي من المسارين سينتصر: هل نتجه نحو إقامة الدولة الفلسطينية المنشودة، أم نحو ضياع فلسطين إلى الأبد؟ هل نسير نحو سلام دائم وشامل، أم نحو هدنة مؤقتة لا تلبث أن تلد حرباً أخرى؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة